اعتمد الفنان الراحل يوسف المطرف في شهرته الفنية على الجلسات الغنائية الشعبية، إذ تفوّق فيها وقدّم من خلالها عشرات الأغاني الشعبية الناجحة من فنون الصوت والسامري والمجيلسي وغيرها من الفنون الشعبية الأصيلة.
اسمه الثلاثي يوسف مطرف المنيس من مواليد 1961، متزوّج من إماراتية ولديه ولد اسمه مطرف يدرس في دولة الإمارات العربية المتحدة. كان يعمل في التجارة الحرّة من خلال محلات عدة للتسجيلات.
أُطلق عليه لقب «مطرب الأغاني الحزينة»، كان له أسلوبه المتميّز في الأداء سواء في المهرجانات أو في الحفلات الخاصة… لا يقبل كل ما يُعرض عليه من أغان، وهو نموذج للفنان المثقّف الواعي المطّلع على كل ما يتعلّق بالفن، فهذا العالم بهره منذ طفولته حتى تملّك روحه وكيانه، وقد أصبح في ما بعد أحد نجوم الأغنية الشعبية في الكويت الذي ينظر الى الفن على أنه رسالة.
تميّز الراحل بأداء العدنيات منذ ظهوره والتي أحبّه الجمهور من خلالها حتى أصبح أحد أبرز فرسانها، وقد ساعدته على ذلك قدراته الصوتية المتميزة التي كانت وراء حصوله على قاعدة جماهيرية واسعة في الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي فأضحى أحد أشهر مطربي الكويت وأكثرهم تقديماً لألبومات الجلسات الغنائية الشعبية الخاصة والتي أثرى من خلالها المكتبة الغنائية والموسيقية الشعبية في تلفزيون وإذاعة الكويت.
البداية
بدأ الراحل يوسف المطرف حياته كفنان منذ كان طفلاً لم يتجاوز عمره السبع سنوات، وذلك أثناء الدراسة الابتدائية حيث كان يعزف على آلة العود ويجلس دائماً مع أصدقاء إخوانه الذين يكبرونه في العمر، فكانوا يطلبون منه دائماً أن يدندن على العود. وبعدما أتقن العزف على هذه الآلة واشتهر به في هذا العمر الصغير، طلب من شقيقه الأكبر أن يشتري له عوداً خاصاً به لكن الأخير رفض طلبه ونصحه بالتفرّغ للدراسة فحسب… بعد ذلك انضمّ المطرف الى الأندية الصيفية عام 1973 وكان عمره آنذاك 11 سنة فتم اختياره في مجموعة الفن الشعبي حيث أُعجب القيمون بصوته فبدأ من تلك اللحظة يغني ويعزف في حفلات المدارس، من ثم أخذ يغني في السمرات الشعبية مع الأصدقاء. وعلى رغم ذلك كلّه كانت عائلته معارضة لدخوله مجال الفن إلى درجة أنه كان يهرّب آلة العود إلى المنزل بسرّية تامة لأن هذا الأمر كان محظوراً عليه.
كان والده رافضاً موضوع الغناء لأنه في تلك الفترة كان ثمة تحفّظ شديد من المجتمع ومن الأهل على دخول أولادهم مجال الفن، فقرّر إبعاده عن طريق الفن بإرساله إلى لبنان للدراسة بصحبة عدد من أبناء العائلات الكويتية المعروفة. وبسبب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، أحضره والده مجدداً إلى الكويت بسبب الضغوط التي كانت تمارسها والدته على أبيه لخوفها على ابنها.
بعد عودة المطرف إلى أرض الوطن، كانت ثمة محاولات عدة من الأهل لكي يكمل دراسته في الكويت لكنه رفض لأنه طُلب منه أن يبدأ في الكويت من حيث انتهى وكأن السنوات التي درسها في لبنان لا قيمة لها… وبعد عامين عمل في بلدية الكويت ولكنه لم يستمر فانتقل الى العمل في التجارة.
العودة إلى العزف والغناء
في عام 1977، عاد المطرف مجدداً إلى ممارسة العزف والغناء بعد إلحاح شديد من أصدقائه الذين كانت بداية ظهوره معهم، من بينهم سامي الوهيبي ومشاري الرويح، فبدأ يذهب إلى الجلسات الشعبية التي كانت تقام هنا وهناك ويشارك فيها مع عدد من الفنانين الشباب، من بينهم حمد سنان وراشد الحملي وجمعه الطراروة، وأحد أكثر الفنانين الذين كان يرافقهم المطرف في مثل هذه الجلسات هو خالد الملا الذي استمرّ في مرافقته لسنوات عدة حتى أصبح فناناً شعبياً معروفاً في الساحة الفنية، إذ كوّن لنفسه من خلال تلك الجلسات التي كان يغني فيها قاعدة جماهيرية كبيرة وقد استمر في ذلك طوال مشواره الغنائي.
عن سرّ تعلّقه بالجلسات الخاصة، يقول المطرف: «الجلسات الخاصة يظهر فيها الفنان على حقيقته فهي تصقله وتظهر معدنه الحقيقي لأنها حية وليس فيها إلا الفنان وعوده والإيقاع ولا ينجح فيها سوى الفنان المقتدر».
الجلسات الغنائيّة
اشتهر المطرف في الجلسات الخاصة بأسلوبه وطريقة أدائه حتى أصبح أحد الأصوات الغنائية ذات المكانة المتميزة، فقدّم الكثير من الألوان الغنائية بشكل متطوّر واشتهر من خلالها بمطرب العدنيات… أما بداية الفنان الراحل فكانت من خلال أغنية دينية بعنوان «يا عالم السر» في عام 1975، من كلمات الشاعر صلاح بوكحيل وألحان عدنان بشارة، ويعتبر المطرف هذه الأغنية إحدى أهم الأغاني التي قدّمها في حياته الغنائية والتي لاقت نجاحاً كبيراً على رغم أنها لم تكن عاطفية بل دينية إنما مميّزة قدّم فيها لوناً جديداً وكانت تذاع أحياناً ثلاث إلى أربع مرات في اليوم.
الانطلاقة الفنيّة
انطلاقة المطرف الحقيقية كمطرب كانت من خلال شريطه الأول الذي قدّمه في عام 1981 والذي ضمّ مجموعة من الأغنيات العاطفية الجميلة التي كتبها ناصر بشارة ولحّنها، من بينها: «راح الأمل»، «يا هاجر»، «قالوا مرادك نساك»، «فرقونا العواذل»، «يا عالم السر»، «أستر» وغيرها من الأغنيات.
ومن المفارقات أن والده سُعد جداً بهذا الألبوم وقد عبّر عن ذلك أمام الأهل والأصدقاء، لكنه كان يتمنى لو أن ابنه أكمل دراسته. وقد توفي والده قبل أربع سنوات من وفاته وقد حزن عليه كثيراً وتوقّف عن الغناء لفترة.
يقول المطرف عن كيفية تعرّفه الى الفنانين عدنان وناصر بشارة: «في الحقيقة، سمعت عن الفنانين عدنان وناصر بشارة بأنهما قدّما أحلى من لحن للفنان محمد سالمين وسمعت ألحانهما وذهبت إليهما ولقيت معاملة الأخ لأخيه ورحبا بي، من هنا بدأ التعاون وكان الشريط الأول ثمرة هذه المعرفة وقد كانا معي منذ بداية التسجيل وحتى نهايته ويستحقان كل الشكر والتقدير».
أما عن سر ارتباطه الدائم والمستمرّ بعدنان بشارة فيلفت المطرف: «لأن كلماته وألحانه جميلة جداً، ويتمتع بنكهة خاصة وأسلوب جميل في ما يكتبه ويلحّنه، وأنا أتعامل معه منذ مطلع الثمانينات حتى يومنا هذا وليس من الأمس أو اليوم».
جوائز ومهرجانات…
كان المطرف مقتدراً وفي الوقت نفسه ملحناً وكاتباً وعازفاً كبيراً قدّم خلال مشواره الغنائي الكثير من الأعمال الغنائية الشعبية الأصيلة التي أطربت الكثير من المستمعين ومن محبّي الفن الغنائي. وقد حصل نتيجة لذلك على تقدير الآخرين الذي تمثّل بعدد من الجوائز التقديرية نذكر منها الجائزة التقديرية التي حصل عليها لمشاركته في المهرجان الغنائي الذي أقيم على مسرح الخالدية بجامعة الكويت، ودرع تذكاري عن تميّزه في أداء الأغنية في حفلة أُقيمت على خشبة مسرح الشويخ بجامعة الكويت عام 1984.
لون غنائي خاص
حمل المطرف بين رقائق قلبه الصفاء والنقاء والحب ووترات فنية تلهب الأحاسيس، إذ تميّز بلون غنائي خاص به يختلف عما هو موجود في الساحة الغنائية، وغالباً ما كان يجمع بين الكلمات العربية الفصيحة مع اللحن المعاصر، إضافة إلى اللون الذي بدأ به وهو العدنيات..
في الثمانينات كان إنتاجه قليلاً، إذ ركّز المطرف في نشاطه على الحفلات الخاصة، ومن أبرز أعماله في المرحلة الأخيرة من حياته إنشاء معهد لتعليم عزف آلة العود بهدف إحياء هذا الفن وقد تتلمذ على يديه الكثير من الموهوبين. ولم يبخل لحظة بتقديم النصح والإرشاد لهم، بل قدّم دائماً كل ما لديه من علم في هذا الفن.
في عام 1988 أقام المطرف حفلة غنائية رائعة قدّم خلالها أكثر من أغنية جميلة، من بينها: «رموها بذراع رجل» و{غبت عني» التي يقول فيها:
تعالي أنظري بالهوى ما فعل أبكي عيوني والجسم من كل محل
وقد ظلت هذه الأغنيات تذاع في أثناء مسيرته الغنائية.
كذلك، كان للمطرف نشاط غنائي وطني مثله مثل أي فنان كويتي من واجبه أن يسجّل أغنيات خاصة لمرحلتي الغزو والتحرير ويساهم في تقديم أعمال وطنية عن بلده «الكويت الحرة»… ومن الأغاني التي سجّلها: «لا توصيّ الكويتي»، «صوت الأسير» و{كويت المحبة».
الأغنية الشعبيّة
خلال التسعينات أصبح إنتاج المطرف قليلاً، فكان يقدّم كل سنتين تقريباً نشاطاً غنائياً مسجلاً سواء عبر التلفزيون أو من خلال أشرطة كاسيت. ففي عام 1993، كان ضيف سهرة منوعة في تلفزيون الكويت من تقديم رنا أبو زينل وإخراج حسين المسلم، وقد قدّم فيها مجموعة من الأغنيات الشعبية الجميلة بالإضافة إلى حوار حول الأغنية.
وفي عام 1994، صدر شريط للمطرف الذي قال عنه في الصحافة المحلية بأنه تجربة جديدة تمزج بين الأصالة والتجديد، ونهج يتحرّك من خلاله عبر تجاربه الفنية المتعددة السابقة.
شارك معه في هذه التجربة الشاعر الغنائي دعيج الخليفة الصباح من خلال تأليفه مجموعة من الأغنيات العاطفية، من بينها «ودي أقول» التي يقول مطلعها :
ودي أقـــول في كل حيــــن
أنـــي أحبــــــــك
ودي أقـول إني غـريــــــــــق
في وسط بحرك
ومن الأغنيات الجميلة التي غناها المطرف في شريطه «إنت جمال الروح}، وهي أيضاً من كلمات الشاعر الشيخ دعيج خليفة العبدالله الصباح. يقول مطلعها:
إنت جمال الروح عمري ودنياي
وأنت قمر يضوي الليالي البعيدة
يالحن عمري يا قصيدي ومغناي
في دفتري أنتِ صرتي أحلى قصيدة
أعز الناس
في عام 1995 قدّم الفنان المطرف شريطاً غنائياً بعنوان «أعز الناس» وهو إسم إحدى أبرز أغنيات الألبوم التي يعتزّ بها المطرف. وفي العام نفسه، تعاون مع عدد من الفنانين الشباب.
في عام 1997 قدّم المطرف ألبوماً غنائياً تضمّن خمس أغنيات عاطفية هي: «لا ترحلي» أغنية قديمة، «الماضي البعيد» من كلمات الفنان عدنان بشارة وألحانه، «ألم في ألم» من كلمات الشاعر الغنائي ساهر وألحان الفنان محمد رويشد، «ليش يا محبوب» من كلمات خالد العياف واللحن من الفولكلور وقد صُوِّرت تلفزيونياً بإدارة المخرج عادل الخرجي. يقول مطلعها:
ليش يا محبوب عن عيني تغيب مالسبب صديت وأبديت الغياب
وأنت تدري في غيابك ما أطيق شوفتك تبعد عن القلب العذابِ
من أغنيات الألبوم أيضاً «حبيبة خاطري» من كلمات الشاعر الأمير مشعل بن محمد آل سعود والتي كانت أول تعاون بينهما. يقول مطلعها:
على الفرقا دموع العين طاحت تسابقهــا تبي تركض وراهـــا
أحاسيسي من اللوعات ضاعـت ومعها شوق من وهج غلاهــا
أبو بكر سالم
في عام 1997 كانت للمطرف تجربة مع الفنان القدير أبو بكر سالم من خلال ألبوم يحتوي على أربع أغنيات، غنّى كلّ واحد منهم أغنيتين فقدّم المطرف «مش مشكلة» و{يالله يليله» (من كلمات يمنية)، ولحّن الأغنيات الأربع.
في عام 1998 صدر له شريط غنائي بعنوان «تسأليني يالحبيبة» ويحتوي على ست أغنيات هي: «قالت أبي أنسى، تسأليني يالحبيبة، يمه ما أقدر، شفتك بعيني»، كلها من تأليف الشعراء ناصر الميع وسعود الفهد والفحيماني في ما عدا «يمه ما أقدر» التي كتبها يعقوب السعيد ولحّنها.
شارك المطرف في الكثير من الحفلات في كل دول مجلس التعاون الخليجي وعواصم عربية مختلفة وله أغنيات شهيرة وجميلة كثيرة منها: «وسميت حبي تسليه، من سحر عينيك، قلبي حزين، متى ألقاك، يا عالم السر، رسالة، تعالي أنظري بالهوى، قلعة، ليش يا ظالم، وين الوعود، غبت عني، كم مرة قالوا لي، يا نور عيني»، بالإضافة الى أغنية «أراك عصي الدمع} التي قدّمها المطرف بلحن وطريقة جديدين… آخر أغنية عاطفية غناها كانت بعنوان «يا حبيبي كم رسمنا الحب طفلا}، وآخر البوم صدر له كان في عام 2002 بعنوان «الضحك مولايق عليك».
من أقواله
- أفتخر بكل أعمالي التي قدمتها وكل أغنية أديتها لأن أعمالي كانت متنوعة وكذلك أدائي، فالفنان الصادق لديه نوع من الحدس يجعله يختار الكلمات المناسبة واللحن اللائق الذي يظهر موهبته ويبقى دائماً يبحث عن الأفضل لشعوره أن لديه الكثير ليقدمه إلى جمهوره.
- الفن أعطاني الثقة في النفس، وأقنعني بالبساطة والمزيد من النضج.
- كل فنان يتميز بحسّه الفني الخاص.
- أنا إنسان صاحب مبدأ وأعتبر أن الجيد يفرض نفسه.
- التنافس موجود بين جميع الفنانين وهذا أمر مشروع طالما كان تنافساً شريفاً.
- الانتشار الكبير الذي حققته الأغنية الكويتية والسعودية في الوطن العربي، هو أكبر دليل على نجاحهما.
- يميل إحساسي دائماً إلى الحزن وأنا بطبيعتي حساس جداً.
- محاولاتي في التلحين تعتمد على مزاج وجو معينين، لكني كمطرب غنّيت منذ تعلّمت العزف على العود.
- جميع الأغنيات التي أديتها تركت أثراً في نفسي.
وفاته
فقدت الساحة الغنائية الكويتية في يوم الخميس الموافق 2 فبراير 2002 سفير الشجن الفنان وهو في ريعان شبابه عن عمر يناهز 41 عاماً.
ويعطيكم العافية و اسمحولي اذا قصرت وياكم بشيء
